أُناجيك مناجاة الابن المُحب، لأني تعلمتُ منك كل الحب، تعلمت منك الصمت
المقدس والكلام القليل الذي فيه منتهى الحكمة، تعلمت منك معنى الطاعة
عندما أطعتِ أمرَ الرب يوم بشارتك. تعرفتُ عليك قبل مولدك، حيث رأيتك
رمزيًا في العهد القديم، فأنت السلّم التي رآها يعقوب تصل الأرض بالسماء
وملائكة الله تصعد وتنزل عليها، فبسرّ ولادتك العظيم اتصلت السماء بالأرض.
رأيتك في خيمة الشهادة، عندما نظرتُ بالروح مائدة خبز الوجوه، فكما حملت
تلك المائدة ذلك الخبز المُقَرب للرب صباحا ومساءً، كُنت أنت المائدة
الحية التي حملت الرب، خبز الحياة النازل من السماء. رأيتكِ في المنارة
ذات السُرج السبعة، فمنك بزغ النور الذي أنار العالم بالبشارة الحسنة.
وداخل قدس الأقداس نظرت عيناي الروحية تابوت العهد وفي داخله لوحا الوصايا
اللذان يمثّلان عهد الرب مع شعبه قديمًا. نظرت وتأملت فإذا بذلك التابوت
الذي حوى العهد الجديد هو أنتِ. وخلف تابوت العهد رأيت جرة المن الذي أشبع
الشعب القديم في البرية وكان رمزا للرَحَم الذي حمل خبز الحياة الذي يأكل
منه الإنسان ولا يموت.
شاهدتك تلك العوسجة الملتهبة بالنار ولا تحترق، والمبخرة الذهبية وفيها
الجمر المشتعل، كيف لا وأنت من حوى نار اللاهوت في أحشائها ولم تحترق تلك
الأحشاء.
تذكرت حزقيال الذي أصعده الرب بالروح نحو باب الشرق وقال: هذا الباب يبقى
مغلقا إلى الأبد لآن الرب إله إسرائيل يدخل فيه ليأكل خبزا، فهو لا يُفتح
ولا يعبر منه أحد ويبقى مغلقا إلى الأبد حزقيال
وكنت في العهد الجديد تواكبين جميع مراحل الخلاص حتى الصليب؛ وقفت تتأملين
بصمت أخرجك منه صوت ابنك المصلوب ليجعلكِ أمًّا لتلميذه الحبيب وللكنيسة
جمعاء، فأنت أمّنا نحن الكهنة وأمّ الشعب المؤمن بك.
أُناديك وأنت من حملتِ من لا تحمله السماوات والأرض، وأنت واقفة عن يمين
عرشه مزينة بثوب مذهب... نطلبُ منكِ أن تشفعي فينا بصلواتك وصلّي لتعم
المحبة والسلام ربوع هذا العالم المضطرب بصراع المصالح والنفوذ والثروة،
ولكي يعود السلام إلى العالم، لتسود محبة المسيح بين البشر ويعود الجميع
لإيمانهم الواحد. نتضرع إليك يا أمنا في الليل والنهار، فأنت تعرفين مقدار
حبنا لك. صلّي لأجلنا ليحيا إيماننا فيبكتنا على الخطيئة التي بدأت تنتشر
حتى عمّت على خصال الخير والحب والجمال بين الناس. فاسمعي تضرعنا نحن
عبيدك وأولادك واحمينا من الموت المفاجئ، ومنّي علينا بما تطلبه قلوبنا من
خير، لك الطوبى إلى الأبد.
آمين.